الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
وعن أحمد بنِ حنبلٍ في كونها آيةً كاملة وفي كونها من الفاتحة روايتان ذكرهما ابن الجوزي، ونقل أنه مع مالك، وغيره ممن يقول أنها ليست من القرآن.هذا والمشهور من هذه الأقاويل هي الثلاث الأُول، والاتفاقُ على إثباتها في المصاحف مع الإجماع على أن ما بين الدفتين كلام الله عز وجل يقضي بنفي القول الأول، وثبوت القدر المشترك بين الأخيرين من غير دلالة على خصوصية أحدهما، فإن كونها جزأ من القرآن لا يستدعي كونها جزأ من كل سورة منه، كما لا يستدعي كونها آية منفردة منه. وأما ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن مَنْ تركها فقد ترك مائة وأربعَ عشرةً آيةً من كتاب الله تعالى وما روي عن أبي هريرة من أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فاتحةُ الكتاب سبعُ آياتٍ أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم»، وما روي عن أم سلمة من أنه صلى الله عليه وسلم «قرأ سورة الفاتحة وعدَّ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين آية»، وإن دل كلُ واحد منها على نفي القول الثاني فليس شيء منها نصاً في إثبات القولِ الثالث، أما الأول فلأنه لا يدل إلا على كونها آياتٍ من كتاب الله تعالى متعددةً بعدد السور المصدرة بها، لا على ما هو المطلوبُ من كونها آية تامة من كل واحدة منها، إلا أن يُلْتجأ إلى أن يقال أن كونها آيةً متعددةً بعدد السور المصدّرةِ بها من غير أن تكون جزءاً منها قولٌ لم يقل به أحد، وأما الثاني فساكت عن التعرض لحالها في بقية السور، وأما الثالثُ فناطقٌ بخلافه مع مشاركته للثاني في السكوت المذكور. والباء فيها متعلقةٌ بمضمرٍ يُنبىء عنه الفعلُ المصدَّرُ بها، كما أنها كذلك في تسمية المسافر عند الحلول والارتحال، وتسمية كل فاعل عند مباشرة الأفعال.ومعناها الإستعانةُ أو الملابسةُ تبركاً، أي باسم الله أقرأ، أو أتلو، وتقديم المعمول للإعتناء به والقصد إلى التخصيص، كما في إياك نعبد، وتقديرُ أبدأ لاقتضائه اقتصارَ التبرك على البداية مُخلّ بما هو المقصودُ، أعني شمولَ البركة للكل، وادعاءُ أن فيه امتثالاً بالحديث الشريف من جهة اللفظ والمعنى معاً، وفي تقدير أقرأُ من جهة المعنى فقط ليس بشيء، فإن مدارَ الامتثالِ هو البدءُ بالتسمية لا تقديرُ فعله، إذ لم يقل في الحديث الكريم: «كلُّ أمرٍ ذي بال» لم يُقَل فيه أو لم يُضْمَر فيه أَبدأُ، وهذا إلى آخر السورة الكريمة مقولٌ على ألسنة العباد تلقيناً لهم، وإرشاداً إلى كيفية التبرك باسمه تعالى، وهدايةً إلى منهاج الحمد وسؤالِ الفضل، ولذلك سُميت السورةُ الكريمة بما ذكر من تعليم المسألة، وإنما كُسرت ومن حق الحروف المفردة أن تُفتَحَ لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر، كما كسرت لامُ الأمر، ولامُ الإضافة داخلةً على المُظْهَر للفصل بينهما وبين لام الابتداء.والاسم عند البصريين من الأسماء المحذوفة الأعْجَاز. المبنية الأوائل على السكون قد أُدخلت عليها عند الابتداء همزة، لأن مِنْ دأبهم البدءَ بالمتحرِّك والوقفَ على الساكن، ويشهد له تصريفُهم على أسماء وسُمَيٌّ وسمَّيتُ، وسُميً كهُدىً لغة فيه قال:
والقلبُ بعيدٌ غير مطرد، واشتقاقه من السُمو لأنه رفعٌ للمُسمَّى وتنويهٌ له، وعند الكوفيين من السِّمة، وأصله وَسَمَ، حذفت الواو وعُوِّضت عنها همزةُ الوصل ليقِلَّ إعلالُها، ورُدَّ عليه بأن الهمزة لم تُعهَدْ داخلةً على ما حُذف صدرُه في كلامهم، ومن لغاتهم سِمٌ وسُمٌ قال: وإنما لم يقل باللَّهِ للفرق بين اليمين والتيمُّن، أو لتحقيق ما هو المقصودُ بالإستعانة هاهنا، فإنها تكون تارة بذاته تعالى. وحقيقتها طلبُ المعونة على إيقاع الفعل وإحداثه، أي إفاضةُ القدرةِ المفسرةِ عند الأصوليين من أصحابنا بما يتمكن به العبدُ من أداء مالزِمه، المنقسمةِ إلى ممكِنة وميسِّرة، وهي المطلوبة بإياك نستعين، وتارة أخرى باسمه عز وعلا. وحقيقتها طلبُ المعونة في كون الفعل معتداً به شرعاً فإنه ما لم يُصَدَّر باسمهِ تعالى يكون بمنزلةِ المعدوم. ولما كانت كل واحدة من الإستعانتين واقعةً وجب تعيينُ المراد بذكر الاسم، وإلا فالمتبادَرُ من قولنا بالله عند الإطلاق لاسيما عند الوصف بالرحمن الرحيم هي الإستعانة الأولى.إن قيل: فليُحمل الباء على التبرك وليستَغْنَ عن ذكر الاسم، لما أن التبرك لا يكون إلا به، قلنا: ذاك فرعُ كون المراد بالله هو الاسم، وهل التشاجرُ إلا فيه، فلابد من ذكر الاسم لينقطعَ احتمالُ إرادة المسمَّى. ويتَعَينُ حمل الباء على الإستعانة الثانية أو التبرك. وإنما لم يكتب الألف لكثرة الإستعمال قالوا: وطُوِّلتِ الباءُ عوضاً عنها.والله أصله الإله، فحذفت همزته على غير قياس كما يُنْبِىءُ عنه وجوب الإدغام، وتعويض الألف واللام عنها، حيث لزماه وجُرِّدا من معنى التعريف، ولذلك قيل: يالله بالقطع، فإن المحذوف القياسيَّ في حكم الثابت، فلا يحتاج إلى التدارك بما ذُكِرَ من الإدغام والتعويض. وقيل: على قياس تخفيف الهمزة، فيكون الإدغام والتعويض من خواص الاسم الجليل، ليمتاز بذلك عما عداه امتياز مسمّاه عما سواه بما لا يوجد فيه من نعوت الكمال.والإله في الأصل اسمُ جنسٍ يقع على كل معبود بحقٍ أو باطل، أي مع قطع النظرِ عن وصف الحقية والبطلان، لا مع اعتبارِ أحدهما بعينه، ثم غلب على المعبود بالحق كالنجم والصَّعِقْ. وأما الله بحذف الهمزة فعلمٌ مختصٌّ بالمعبود بالحقِّ لم يطلق على غيره أصلاً، واشتقاقه من الإلاهة والأُلوهَة، والأُلوهِية بمعنى العبادة حسبما نص عليه الجوهري، على أنه اسمٌ منها بمعنى المألوه، كالكتاب بمعنى المكتوب، لا على أنه صفة منها، بدليل أنه يوصف ولا يوصف به، حيث يُقال إله واحد، ولا يُقال شيء إلهٌ، كما يُقال كتاب مرقوم، ولا يقال شيء كتاب. والفرق بينهما أن الموضوع له في الصفة هو الذاتُ المبهمةُ باعتبار اتصافِها بمعنىً معيّنٍ وقيامِهِ بها. فمدلولها مركبٌ من ذاتٍ مُبهمةٍ لم يُلاحظ معها خصوصية أصلاً، ومِن معنىً معينٍ قائمٍ بها على أن مَلاك الأمرِ تلك الخصوصية، فبأيِّ ذاتٍ يقومُ ذلك المعنى يصحّ إطلاقُ الصفة عليها، كما في الأفعال. ولذلك تَعْمَلُ عملها كاسمي الفاعلِ والمفعول. والموضوع له في الاسم المذكور هو الذاتُ المعينة والمعنى الخاص، فمدلوله مركب من ذَيْنِكَ المعنيين من غيرِ رجحانٍ للمعنى على الذات كما في الصفة، ولذلك لم يعمل عملها.وقيل: اشتقاقه من إلِهَ بمعنى تحير، لأنه سبحانه يحارُ في شأنه العقول والأفهام. وأما أَلَهَ كعَبَدَ وزناً ومعنىً فمشتق من الإلَه المشتق من إلِهَ بالكسر، وكذا تألَّه واستَأْلَه اشتقاق: استنوق واستحجر من الناقة والحَجَر. وقيل: من أَلِهَ إلى فلان أي سكن إليه، لاطمئنان القلوب بذكره تعالى وسكون الأرواح إلى معرفته. وقيل: من أَلِهَ إذا فزِع من أمرٍ نزل به، وآلَهَهُ غيرُه إذا أجاره، إذ العائذُ به تعالى يفزَع إليه وهو يُجيره حقيقة أو في زعمه. وقيل: أصله لاهٌ على أنه مصدر من لاهَ يَلِيهُ بمعنى احتجب وارتفع، أطلق على الفاعل مبالغة. وقيل: هو اسمُ علمٍ للذات الجليل ابتداء وعليه مدار أمر التوحيد في قولنا لا إله إلاَّ الله.ولا يخفى أن اختصاصَ الاسم الجليل بذاته سبحانه بحيث لا يمكن إطلاقُه على غيره أصلاً كافٍ في ذلك، ولا يقدَح فيه كونُ ذلك الاختصاصِ بطريق الغَلَبة بعد أن كان اسمَ جنسٍ في الأصل، وقيل: هو وصفٌ في الأصل لكنه لما غلب عليه بحيث لا يُطلق على غيره أصلاً صار كالعلم، ويردّه امتناعُ الوصف به.وأعلم أن المراد بالمنَكَّر في كلمة التوحيد هو المعبودُ بالحق، فمعناها: لافرادَ من أفراد المعبود بالحق إلا ذلك المعبودُ بالحق. وقيل: أصلُه لاَهَا بالسريانية فعُرِّب بحذف الألف الثانية، وإدخال الألف واللام عليه وتفخيم لامه إذا لم ينكسر ما قبله سنة، وقيل: مطلقاً، وحذفُ ألفِه لحنٌ تفسد به الصلاة، ولا ينعقد به صريحُ اليمين، وقد جاء لضرورة الشعر في قوله: و{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} صفتان مبنيتان من رَحِمَ بعد جعله لازماً بمنزلة الغرائز، بنقله إلى رَحُمَ بالضم كما هو المشهور. وقد قيل: إن الرحيم ليس بصفة مشبَّهة، بل هي صيغة مبالغة، نص عليه سِيبَويه في قولهم: هو رحيمٌ فلاناً. والرحمة في اللغة رقة القلب والانعطاف، ومنه الرَّحِمُ لانعطافها على ما فيها. والمراد هاهنا التفضل والإحسان، وإرادتهما بطريق إطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسَبّبِهِ البعيد أو القريب، فإنَّ أسماء الله تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعالات. والأولُ من الصفات الغالبة حيث لم يطلق على غيره تعالى، وإنما امتنع صرفُه إلحاقاً له بالأغلب في بابه من غير نظر إلى الاختصاص العارض، فإنه كما حظِر وجود فعلى حُظِر وجود فعلانة، فاعتبارُه يوجب اجتماعَ الصرف وعدمَه، فلزم الرجوع إلى أصل هذه الكلمة قبل الاختصاص، بأن تقاس إلى نظائرها من باب فَعِلَ يَفْعَلُ، فإذا كانت كلها ممنوعة من الصرف لتحقق وجود فَعْلى فيها، علم أن هذه الكلمة أيضاً في أصلها مما تحقق فيها وجود فعلى، فتُمنع من الصرف، وفيه من المبالغة ما ليس في الرحيم ولذلك قيل: يا رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا وتقديمه مع كون القياسِ تأخيرَه رعايةً لأسلوب الترقي إلى الأعلى، كما في قولهم فلان عالمٌ نِحْرير، وشجاعٌ باسل، وجَوَادٌ فيَّاض، لأنه باختصاصه به عز وجل صار حقيقاً بأن يكون قريناً للاسم الجليل الخاص به تعالى، ولأن ما يدل على جلائل النعم وعظائمها وأصولها أحقُّ بالتقديم مما يدل على دقائقها وفروعها. وإفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة.{الحمد للَّهِ} الحمد هو: النعتُ بالجميل على الجميل، اختيارياً كان أو مبدأً له، على وجه يُشْعِرُ بتوجيهه إلى المنعوت وبهذه الحيثية يمتازُ عن المدحِ، فإنَّهُ خالٍ عنها، يرشدك إلى ذلك ما ترى بينهما من الاختلاف في كيفية التعلق بالمفعول في قولك: حمدته ومدحته، فإن تعلق الثاني بمفعوله على منهاج تعلق عامة الأفعال بمفعولاتها، وأما الأولُ فتعلقه بمفعوله مُنْبىء عن معنى الإنهاء، كما في قولك: كَلَّمْتُه، فإنه مُعْرَبٌ عما تفيده لام التبليغ في قولك: قلتُ، ونظيرُه وشَكَرْتُه وعبدتُه وخدمتُه، فإن تعلّق كلَ منها منبىء عن المعنى المذكور، وتحقيقُه: أن مفعول كلِّ فعلٍ في الحقيقة هو الحدث الصادرُ عن فاعله ولا يُتصور في كيفية تعلق الفعل به أيَّ فعل كان اختلافٌ أصلاً. وأما المفعولُ به الذي هو محلُّه وموقِعُه، فلما كان تعلقه به ووقوعُه عليه على أنحاءَ مختلفةٍ حسبما يقتضيه خصوصياتُ الأفعال بحسب معانيها المختلفة، فإن بعضها يقتضي أن يلابسه ملابسةً تامَّةً مؤثرة فيه كعامة الأفعال، وبعضها يستدعي أن يلابسَه أدنى ملابسة.إما بالانتهاء إليه كالإعانة مثلاً، أو بالإبتداءِ منه كالإستعانة مثلاً، اعتبر في كل نحو من أنحاءِ تعلّقِه به كيفية لائقةٌ بذلك النحو، مغايرةٌ لما اعتبر في النحْوَيْنِ الأخيرين.فنظمُ القسمِ الأول من التعلق في سلك التعلقِ بالمفعولِ الحقيقي مراعاةً لقوة الملابسة، وجُعِل كلُّ واحدٍ من القسمين الأخيرين من قبيل التعلق بواسطة الجارّ المناسب له، فإن قولَكَ أعنتُه مشعرٌ بانتهاء الإعانةِ إليه، وقولك استعنتُه بابتدائها منه، وقد يكون لفعلٍ واحدٍ مفعولان يتعلق بأحدهما على الكيفية الأولى، وبالآخَرِ على الثانية أو الثالثة، كما في قولك حدثني الحديث، وسألني المالَ، فإن التحديثَ مع كونه فعلاً واحداً قد تعلّقَ بك على الكيفية الثانية، وبالحديث على الأولى، وكذا السؤال فإنه فعل واحد، وقد تعلّق بك على الكيفية الثالثة وبالمال على الأولى.ولا ريب في أن اختلافَ هذه الكيفيات الثلاثِ وتبايُنَها واختصاصَ كلَ من المفاعيلِ المذكورةِ بما نُسِبَ إليه منها مما لا يُتصور فيه تردُّدٌ ولا نَكيرٌ وإن كان لا يتضحُ حقَّ الاتضاح إلا عند الترجمة والتفسير، وإن مدارَ ذلك الاختلاف ليس إلا اختلافَ الفعل أو اختلاف المفعول، وإذ لاختلاف في مفعول الحمد والمدح تَعَيَّنَ أن اختلافهما في كيفيةِ التعلق، لاختلافهما في المعنى قطعاً. هذا وقد قيلَ: المدحُ مطلقٌ عن قيدِ الإختيار، يُقال: مدحتُ زيداً على حُسْنِهِ ورشاقةِ قَدِّهِ، وأيًّاما كان فليس بينهما ترادفٌ، بل أُخوّةٌ من جهةِ الاشتقاق الكبير، وتناسبٌ تام في المعنى كالنصر والتأييد فإنهما متناسبان معنىً من غير ترادفٍ لما ترى بينهما من الاختلاف في كيفية التعلق بالمفعول، وإنما مرادفُ النصر الإعانة، ومرادف التأييد التقوية، فتدبر.ثم إن ما ذُكِرَ من التفسير هو المشهورُ من معنى الحمد، واللائقُ بالإرادة في مقام التعظيم، وأما ما ذُكِرَ في كُتُبِ اللغةِ من معنى الرضى مطلقاً كما في قوله تعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا} وفي قولهم: لهذا الأمر عاقبةٌ حميدةٌ، وفي قول الأطباء: بُحْرَانٌ محمود، مما لا يختص بالفاعل فضلاً عن الإختيار فبمعزل عن استحقاق الإرادة هاهنا استقلالاً، أو استتباعاً بحملِ الحمدِ على ما يعم المعنيين، إذ ليس في إثباته له عز وجل فائدةٌ يُعْتَدُ بها. وأما الشكْرُ فهو مقابلة النعمة بالثناء وآداب الجوارح، وعقدُ القلبِ على وصفِ المنعم بنعت الكمال كما قال من قال: فإذن هو أعمُّ منهما من جهة، وأخص من أخرى. ونقيضُهُ الكفران، ولما كان الحمد من بين شُعَبِ الشكر أَدْخَلَ في إشاعةِ النعمةِ والاعتدادِ بشأنِها، وأدلَّ على مكانها لِما في عمل القلب من الخفاء، وفي أعمال الجوارحِ من الاحتمال، جُعِلَ الحمدُ رأسَ الشكر، ومِلاكاً لأمره في قوله صلى الله عليه وسلم: «الحمدُ رأسُ الشُّكرِ، ما شكرَ الله عبدٌ لم يحمدْهُ».وارتفاعُهُ بالابتداء، وخبرُه الظرف، وأصلُه النَصْبُ كما هو شأن المصادر المنصوبة بأفعالها المُضمرة التي لا تكاد تُستعمل معها، نحو شُكراً وعجباً، كأنه قيل: نحمد الله حمداً بنون الحكاية، ليوافق ما في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لاتحاد الفاعل في الكل، وأما ما قيل من أنه بيانٌ لحمدِهم له تعالى، كأنَّهُ قيل: كيف تحمَدون؟ فقيل: إياكَ نعبد فمع أنه لا حاجةَ إليه مما لا صحةَ له في نفسِهِ، فإنَّ السؤالَ المقدرَ لابد أنْ يكون بحيثُ يقتضيهِ انتظامُ الكلامِ وينساقُ إليه الأذهانُ والأفهامُ، ولا ريبَ في أن الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفيةِ اللائقةِ لا يَخْطُرُ ببالِ أحدٍ أن يسألَ عن كيفيتهِ على أنَّ ما قُدِرَ من السؤال غيرُ مطابقٍ للجواب، فإنه مسوقٌ لتعيين المعبود، لا لبيان العبادة، حتى يُتَوَهم كونُه بياناً لكيفية حمدهم والاعتذارُ بأن المعنى نخصك بالعبادة وبه يتبين كيفيةُ الحمد تعكيسٌ للأمرِ، وتَمَحّلٌ لتوفيق المُنَّزَل المقرَّرِ بالموهومِ المُقدّر.
|